في ظل الأزمات المتعددة التي نعيشها في بلدنا والآفاق شبه المسدودة في المجتمع : لا كهرباء ، لا ماء، لا دواء، الرغيف مهدّد …  وفي ظل اسئلة كثيرة نطرحها اليوم على الصعيدَين الشخصيّ  والجماعيّ، في السرّ والعلن، والتي تتناول وجودَنا: ماذا عن الغدّ؟ هل سينخفض سعر صرف الدولار أم سيرتفع؟ هل سنستطيع أن نملأ سياراتنا بمادة الوقود؟ كم سيبلغ سعر الصحيفة؟ إلخ. أسئلة تهدّد كياننا وإنسانيتنا وتخلق فينا الخوف من المجهول.  أمام هذا التهديد الكيانيّ والوجوديّ نتساءل: هل للتربية ساحة تقول فيها كلمتها خارج الساحات المتصارعة؟ وما هي هذه الكلمة؟ هل لها مفعولٌ يساهم بإزالة الخوف من نفوسنا ويعمل على زرع الطمأنينة وفتح فجوة في الأفق المسدود؟

أمام هذا الواقع المأزوم، تؤكّد الكنيسة على أهميّة دور التربية ومحوريّتها في تنشئة الإنسان، كلّ الإنسان، في مواجهة الأزمات التي يعيشها، من خلال محاولة إيجاد أجوبة على تساؤلات عدّة. فالتربية هي مسيرة نموّ تساعد على تطوير الفرد تطويرًا اجتماعيَّا ومعرفيَّا وإيمانيَّا متكاملًا.  من هنا يأتي دور المدرسة كوسيلة فعّالة للتربية الشاملة، الأخلاقيّة والاجتماعيّة والإيمانيّة والمعرفيّة،  لتطوير العقل ونموّ الإيمان في خدمة المجتمع. في هذا السياق، يشدّد البابا فرنسيس على أهميّة دور المدرسة في نقل البشارة بالإنجيل من خلال ثلاث ركائز: أولًا: نشر الثقافة لمواجهة الفردانيّة وبناء عالم أكثر سلامًا، ثانيًّا: تعزيز ثقافة الحوار من أجل البحث عن الحقيقة من خلال الإصغاء وقبول الآخر وتشجيع التنوّع الدينيّ والثقافيّ، وأخيرًا إسهام التربية في زرع الرجاء الذي يعطي معنىً ساميًا للحياة، من خلال تعزيزه لرؤية ديناميكيّة، تربط حياة الإنسان بالقيم الروحيّة والإنسانيّة العليا. فمجتمعنا اليوم بأمسّ الحاجة إلى هذه الركائز الثلاث التي تشجع الفرد على مواجهة الإحباط والخوف من المستقبل المجهول، لأنّ الثقافة مصدر إلهام لعيش الخير والقيم الإنسانيّة والروحيّة، والحوار وسيلة للالتقاء مع الآخر المختلِف، والرجاء لا يُخيِّب بل يبشّر بغدٍ أفضل مبنيّ على حضور الله الخلاصيّ في تاريخ الإنسان  

لذلك تجد التربية في كلمة الله المرجع الأساس لإكتشاف الخير الأشمل والجمال الأسمى، إذ تسعى لخلق بيئة متميّزة  يتم فيها تلقّي التعليم المسيحيّ كأولويّة في مسيرة التلميذ، لتجعل منه إنسانًا مؤمنًا، يعتمد على المسيح لمواجهة التحديات بجرأة وبشجاعة